Divas Unlimited Inc

Atlanta's Elite Fashion and Entertainment Consultants

الشيخ جمال قطب: الزوج ملزم بإخراج زكاة الفطر عن زوجته ولو كانت عاملة أو

آية الوضوء والغسل والتيمّم




❤ : الشيخ جمال قطب: الزوج ملزم بإخراج زكاة الفطر عن زوجته ولو كانت عامل...


ومن رحمته, أن وفقهم للتوبة والإنابة فتابوا وأنابوا, ثم رحمهم بأن قبل ذلك منهم, لطفا وكرما, هذا حكم التائب من الذنب. فلما جاء الإسلام, زاده حرمة وتعظيما, وتشريفا وتكريما. ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا, فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج.


الشيخ جمال قطب: الزوج ملزم بإخراج زكاة الفطر عن زوجته ولو كانت عاملة أو

السبب أن أكثرهم لا يؤمنون. مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الّثُمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن 1 ، فلا موضوع للنسخ ولا للتخصيص. يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق, وما هم عليه باطل, فيحتجون عليكم بذلك عند ربهم. إنما الشأن في الإيمان بالغيب, الذي لم نره ولم نشاهده, وإنما نؤمن به, لخبر الله وخبر رسوله.


الشيخ جمال قطب: الزوج ملزم بإخراج زكاة الفطر عن زوجته ولو كانت عاملة أو
حكم الفاقد للهدي يبيّن سبحانه حكم من لم يجد الهدي فيقول: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ : أي أنّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى موطنه، على وجه يكون الجميع عشرة كاملة، وأمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي اليوم السابع والثامن والتاسع. وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. ويدخل في ذلك أخذها, بسبب غش في البيع, والشراء, والإجارة, ونحوها. وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء, وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به, الموجب للاستجابة. ففيه النهي عن الجائز, إذا كان وسيلة إلى محرم. هذا يقوله بعضهم لبعض. وروي أنّ عمّاراً نكح نصرانية، ونكح طلحة نصرانية، ونكح حذيفة يهودية. نعم وجدنا ما يشتمل على موضع الاستشهاد. وأن الالتفات بالبدن, مبطل للصلاة, لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده. وكذلك أخذهم أجرة على عمل, لم يقوموا بواجبه.

آية الوضوء والغسل والتيمّم - ومن كان بهذه الحالة - بعد إقامة الحجة, وبيان التوحيد - علم أنه معاند لله, مشاق له, أو معرض عن تدبر آياته والتفكر في مخلوقاته, فليس له أدنى عذر في ذلك, بل قد حقت عليه كلمة العذاب. روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إنّي سمعت ربيعة الرأي يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه، وإنّما القرء ما بين الحيضتين، وزعم أنّه أخذ ذلك برأيه، فقال أبو جعفر عليه السلام : «أخذه من علي عليه السلام قال: قلت له: وما قال فيها عليّ عليه السلام ؟ قال: «كان يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها، ولا سبيل عليها، وإنّما القرء ما بين الحيضتين ».


الشيخ جمال قطب: الزوج ملزم بإخراج زكاة الفطر عن زوجته ولو كانت عاملة أو

الحمد لله الّذي أنزل القرآن فيه تبيان لكلّ شيء; والصلاة والسلام على مَن بعثه ليبيّن للناس ما أُنزل إليهم، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 1 ، وعلى آله الّذين «هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ، وَلَجَأُ أَمْرِهِ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ، وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ، وَجِبَالُ دِينِهِ »، 2 صلاة دائمة متواترة مترادفة. إنّ قسماً من آيات الذكر الحكيم يتكفّل ببيان الأحكام الشرعية العملية، وقد قام العديد من علماء الفريقين بإفراد التأليف في هذا الصدد، فأقدم تأليف للشيعة فيه، كتاب « أحكام القرآن » لأبي النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي من أصحاب أبي جعفر الباقر عليه السلام وأبي عبد الله الصادق عليه السلام ، والّذي توفّي عام 146 هـ ، وقد توالى التأليف من عصره إلى يومنا هذا، فذكر الباحث الكبير الشيخ آقا بزرگ الطهراني في موسوعته ما يناهز 30 كتاباً في هذا المضمار. ولو أنّ القارئ الكريم جمع الروايات الّتي استشهد بها أئمة أهل البيت على مقاصدهم استشهاداً تعليمياً لا تعبدياً، لوقف على سعة آفاق القرآن. وقد سمعنا عن بعض مشايخنا أنَّ من العلماء مَن استنبط من سورة المسد أكثر من عشرة أحكام فرعية، كما استنبطوا من قوله سبحانه: قَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَي هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَني ثَمَاني حِجَج فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ 1 عدداً من الأحكام، الّتي منها جعل منفعة الحر مهراً، حيث جعل شعيب عليه السلام رعي الغنم مهراً لبنته، يقول صاحب الجواهر في شرح قول المحقّق في الشرائع: يصحّ العقد على منفعة الحر، كتعليم الصنعة والسورة من القرآن، وكلّ عمل محلّل ، بل يصحّ العقد على إجارة الزوج نفسه وفاقاً للمشهور. التكفير إنّ التعزير أحد الأساليب الّتي يحكم بها القاضي وهو من الموضوعات الّتي ورد فيها بعض الآيات، قال سبحانه: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ 3 ، وقال تعالى: وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا. ثمّ إنّه يقع الكلام في دخول المرفق في الحكم أي وجوب الغسل، أو لا؟ والظاهر الأوّل وهو الدخول، إذ من المعروف ـ كما هو المنقول عن بعض علماء اللغة كسيبويه وغيره ـ أنّ ما بعد «إلى » إن كان من نوع ما قبلها دخل في الحدّ، وإلاّ فلا يدخل، وعلى هذا تدخل المرافق فيما يجب غسله لأنّها من اليد، بخلاف قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ 3 ; لأنّ الليل ليس من جنس اليوم النهار حتى يجب صومه. وأمّا الثالث: وهو مسح الرؤوس كما في قوله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ، والمسح هو إمرار اليد على الشيء، وسُمّي المسيح مسيحاً لأنّه كان يمسح على الناس ويشفيهم، ويقابله الغسل، إذ يكفي في المسح إمرار اليد بما فيها من النداوة، وأمّا الغَسْل فلا يطلق إلاّ بعد إسالة الماء على الشيء، وبالمقارنة يُعلم أنّ الواجب في الوجه واليدين هو الغسل، أي إسالة الماء عليهما وأمّا المسح فيكفي إمرار اليد، ومن المعلوم بأنّ المتوضّئ بعدما فرغ من غسل اليدين، ففي يده نداوة الماء يمسح بها الرأس، فيكفي مسح جزء من مقدّم الرأس. وسيأتي أنّه المنصوص في روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام. ويدلّ على ما ذكرنا أنّ الفعل متعدّ بنفسه، ويستعمل على وجهين تارة يقال: مسحت الشيء، وأُخرى يقول: مسحت به; فالأوّل ظاهر في الاستيعاب دون الثاني. فإقرانه بالباء لابدّ أن يكون لنكتة، فأكثر المفسّرين على أنّ الباء للإلصاق، بمعنى أنّ حركة العضو الماسح ملصقاً بالممسوح مع أنّ الإلصاق مفهوم من تعلّق المسح بالرأس فلا ملزم لذكر «الباء » بمعنى الإلصاق; غير أنّ المرويّ عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ الباء لبيان كفاية بعض الرجلين، فحينما سأل زرارة أبا جعفر الباقر عليه السلام وقال: من أين علمت أنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فقال عليه السلام : «لمكان الباء » وبما أنّ الرواية لا تخلو من فائدة في تفسير الآية نأت بها على وجه التفصيل. «يا زرارة، قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونزل به الكتاب من الله عزّ وجلّ، لأنّ الله عزّ وجلّ قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل، ثم قال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنّه ينبغي لهما أن يُغسلا إلى المرفقين، ثمّ فصل بين الكلام فقال: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ فعرفنا حين قال: بِرُؤُوسِكُمْ أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثم وصل الرجلين بالرأس، كما وصل اليدين بالوجه، فقال: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما، ثمّ فسّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس فضيّعوه ». وأمّا ما هو البعض الذي يجزي مسحه، فقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّ المراد به مقدّم الرأس. فقد جاء في كتاب الوسائل، وجوب المسح على مقدّم الرأس، كما في قولهم عليهم السلام : «يمسح على مقدّم رأسه ». فهل يرضى أن يكون قوله: «ويده » عطفاً على وجه زيد مع انقطاع الكلام الأوّل وصلاحية قوله: «ويده »، معطوفاً على محل المجرور المتّصل به؟! وقال الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي في تفسير الآية: نصب وَأَرْجُلَكُمْ على المحل أي محل الرؤوس وجرّها على اللفظ، ولا يجوز أن يكون النصب للعطف على وجوهكم، لامتناع العطف على وجوهكم للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية هي وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ، والأصل أن لا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة، ولم يسمع في الفصيح نحو: ضربت زيداً ومررت ببكر وعمراً بعطف عمراً على زيد. فإنّ «خرب » خبر لـ «جُحر » فيجب أن يكون مرفوعاً، لكنّه صار مجروراً لأجل الجوار. ثمّ إنّ لصاحب المنار كلاماً زعم أنّه أقوى الحجج اللفظية لأهل السنّة على الإمامية، وهو أنّ الله جعل غاية طهارة الرجلين، وهذا لا يحصل إلاّ باستيعابهما بالماء، لأنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرِّجْل، والإمامية يمسحون ظاهر القدم إلى معقد الشراك عند المفصل بين الساق والقدم، ويقولون: إنّه هو الكعب، ففي الرجل كعب واحد، على رأيهم، ولو صحّ هذا لقال: إلى الكعاب، كما في اليدين إِلَى الْمَرَافِقِ لأنّ في كلّ يد مرفقاً واحداً. عن أبي مطر قال: بينما نحن جلوس مع علي في المسجد، جاء رجل إلى علي وقال: أرني وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فدعا قنبر، فقال: ائتني بكوز من ماء، فغسل يديه ووجهه ثلاثاً، فأدخل بعض أصابعه في فيه واستنشق ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً ومسح رأسه واحدة ورجليه إلى الكعبين، ولحيته تهطل على صدره، ثمّ حسا حسوة بعد الوضوء ثمّ قال: أين السائل عن وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، كذا كان وضوء رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم. عن أبي مالك الأشعري أنّه قال لقومه: اجتمعوا أُصلّي بكم صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فلمّا اجتمعوا قال: هل فيكم أحد غيركم؟ قالوا: لا، إلاّ ابن أُخت لنا، قال: ابن أُخت القوم منهم، فدعا بجفنة فيها ماء، فتوضّأ ومضمض واستنشق، وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدميه، ثمّ صلّـى بهم فكبّر بهم ثنتين وعشرين تكبيرة. ومنه الكعب لكلّ ما له ارتفاع. وقد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام بأنّه قبّة القدم. وهو المتعيّن لكونه مروياً عن أحد الثقلين. فهذه الطوائف الأربع يجب عليهم التيمّم بشرط خاص وهو ما يذكره سبحانه بقوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً. فعلى هؤلاء التيمّم، كما يقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا : أي اقصدوا تراباً أو مكاناً من وجه الأرض طاهراً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ : أي فاضربوا بأيديكم عليه فامسحوا بها وجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ. وسيوافيك ما هو المراد من الضمير في مِنْهُ الراجع إلى الصعيد الطيّب. لم نعثر في المصادر على هذا النص. نعم وجدنا ما يشتمل على موضع الاستشهاد. الوسائل: 2، الباب 7 من أبواب التيمم، الحديث 2 و 3. الوسائل: 2، الباب 3 من أبواب التيمم، الحديث 1. الوسائل: 2، الباب 22 من أبواب التيمم، الحديث 1. وبعبارة أُخرى: إنّه سبحانه ذكر حكم المحدث بالحدث الأصغر والأكبر عند وجدان الماء، فلازم السياق ذكر حكمهما عند فقدان الماء، فذكر حكم الأوّل بقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ ، فلا محيص من حمل قوله: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ على بيان حكم الحدث الأكبر. فإن قلت: إذا كان تيمّم المريض والمسافر مقيّداً بعدم وجدان الماء، كان ذكر كلّ من عنواني المرض والسفر أمراً مستدركاً، إذ لا دخل لهما في لزوم التيمم وإنّما الموضوع هو عدم وجدان الماء، سواء أكان مريضاً أم مصحاً، حاضراً أم مسافراً. أو ليس هذا دليلاً على أنّ المسافر والمريض يتيمّمان مطلقاً، سواء كان الماء موجوداً أم لا؟ أضف إلى ذلك: أنّه لو كان القيد فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً راجعاً إلى الصنفين الأخيرين ـ أعني: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ ـ يلزم حمل القيد على الفرد النادر ; لأنّ الصنفين الأخيرين يتمكّنان من الماء في أغلب الموارد، وأمّا غير المتمكّن بالمعنى الأعم فهو في الدرجة الأُولى المسافر وبالتالي المريض. إنّ حكم المريض والمسافر إذا أرادا الصلاة كحكم المحدث حدثاً أصغر أو ملامس النساء ولم يجد الماء، فعلى كلّ هؤلاء التيمّم، وأنّ الآية واضحة المعنى تقتضي أنّ التيمم في السفر جائز ولو مع وجود الماء. ثم استظهرا بأنّه سبحانه رخّص السفر الذي منه قصر الصلاة وجمعها وإباحة الفطر في رمضان، فهل يستنكر مع هذا أن يرخّص للمسافر في ترك الغسل والوضوء وهما دون الصلاة والصيام في نظر الدين. أو ليس من المجرّب أنّ الوضوء والغسل يشقّان على المسافر الواجد للماء في زماننا هذا، فكيف في الزمان السابق الذي كان السفر على ظهور الإبل في مفاوز الحجاز وجبالها... إلى أن قال: إنّ من عجب العجاب غفلة جماهير الفقهاء عن هذه الرخصة الصريحة في عبارة القرآن، واحتمال ربط قوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً بقوله: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر بعيد، بل ممنوع كما تقدّم على أنّهم لا يقولون به في المرضى لأنّ اشتراط فقد الماء في حقّهم لا فائدة له، لأنّ الأصحّاء والحاضرين مثلهم الأوّل: أنّ القيد راجع إلى الجميع، وما ذكره من أنّ لازمه كون ذكر كلّ من عنواني السفر والمرض أمراً لغواً، مدفوع، لما عرفت من أنّ تخصيصهما بالذكر لأجل أنّ الغالب على حالتي السفر والمرض فقدان الماء في المسافر والحرج في المريض، بخلاف الحاضر والمصح إذ يتوفر الماء عند الحاضر، و لا يتحرّج المصحّ من استعمال الماء. الثاني: أنّ تخصيص قوله: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً بالأخيرين، يلازم ـ كما مرّ ـ حمله على الفرد النادر، لأنّ فقدان الماء عند المجيء من الغائط أو الملامس في وطنه 2 ، قليل جدّاً، بخلاف إرجاعه إلى الجميع، فقد عرفت أنّ فقدان الماء في الأوّلين أمر غالبي خصوصاً في الأسفار في الأزمان السابقة حيث يسافرون بالإبل ويقطعون الصحارى والمفاوز.... وجه كونه أظهر أنّه تعالى عبّر بالمسح المتعدّي بالباء، فقال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ فدلّ ذلك على أنّ المعتمد في التيمّم هو مسح بعض عضوي الغسل في الوضوء، أعني: بعض الوجه وبعض اليد إلى المرفق، فينطبق على ما ورد من طرق أئمّة أهل البيت عليهم السلام من تحديد الممسوح بالوجه ما بين الجبينين والممسوح باليد بما دون الزند منها. وأمّا أنّه هل تكفي ضربة واحدة على الصعيد، أو لا؟ فهذا على عاتق السنّة في الفقه الشريف، وظاهر الكتاب كفاية الواحدة. وعلى هذا فـ «من » في قوله: مِنْهُ تبعيضية لا ابتدائية، فلابدّ للمتيمّم من السعي في بقاء شيء من الصعيد على اليد، حتى يمسح به الوجه واليدين، فما ربّما يقال: ويستحب نفض اليدين بعد ضربهما على الأرض، 2 فهو محمول على نفض اليدين من الحجارة الصغيرة لا من الغبار، فما ربما يقال من جواز التيمم على الحجر الأملس الذي ليس عليه شيء من التراب أو الغبار، فلا يساعد عليه الذكر الحكيم. قد تفرّق الصحابة بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بلدان قريبة أو بعيدة ولم يكونوا مجمعين على قراءة واحدة لا في هذه الآية ولا في سائر الآيات، وإن كانوا متّفقين على أنّ مابين الدفّتين هو القرآن المنزل لم ينقص منه شيء، ولم يزد عليه، فمَن قرأ بالجر رجّح المسح، ومن قرأ بالنصب رجّح الغسل. الثاني: النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان يغسل رجليه قبل نزول الآية إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في فترة من عمره الشريف قبل نزول آية الوضوء يغسل رجليه ولمّا نزل القرآن الكريم بالمسح نُسخت السنّة بالقرآن، والقرآن ينسخ السنّة، حيث إنّ الصلاة باستقبال البيت المقدّس ثبتت بالسنّة ولكنّها نسخت بآية القبلة، ولعلّ الناس أخذوا بالسنّة التي كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليها، غافلين عن أنّ القرآن هو الحاكم عليها، ويدلّ عليه ما روي وممّا يعرب عن أنّ الدعاية الرسمية كانت تؤيّد الغسل، وتؤاخذ من يقول بالمسح، حتّى إنّ القائلين به كانوا على حذر من إظهار عقيدتهم فلا يصرّحون بها إلاّ خفية، ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن أبي مالك الأشعري أنّه قال لقومه: اجتمعوا أُصلّي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا اجتمعوا، قال: هل فيكم أحد غيركم؟ قالوا: لا، إلاّ ابن أُخت لنا، قال: ابن قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُورًا. وأمّا المحور الثاني وهو قوله: وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيل حَتَّى تَغْتَسِلُوا : أي لا تقربوا الصلاة جنباً إلاّ عابري سبيل، فلو أُريد من الصلاة العبادة المعروفة فلابدّ من تفسير عابري سبيل بالمسافر، أي لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إلاّ إذا كنتم مسافرين فاقدين للماء فيجوز اقترابها حتى تغتسلوا. وربما يقال: إنّ المراد من الصلاة المعبد، وعندئذ يكون المعنى: أي لا تقربوا المعبد الذي بُني للصلاة حال كونكم سُكارى إلاّ إذا كنتم متجاوزين دخولاً من باب وخروجاً من باب آخر، فللجنب أن يجتاز المسجد ويحرم عليه المكث فيه إلاّ المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ يحرم فيهما المكث والاجتياز. وعلى هذا تدور الفقرة في بيان حكم الجنب، عند دخوله المسجد. ثمّ إنّه سبحانه يذكر كيفية التيمّم ويقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا : أي تحرّوا واقصدوا أرضاً طيّبة فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ والمسح بالوجوه والأيدي لا يتحقّق إلاّ بضرب الكفّين على الأرض، وأمّا أنّه هل تكفي ضربة واحدة أو لكلّ من الوجه والكفين ضربة خاصّة، ظاهر الكتاب كفاية الواحدة إلاّ أن تدلّ السنّة على التعدّد. إنّ فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين عليه السلام تقول: فولدت عليّاً ورسول الله ثلاثون سنة فأحبه رسول الله حبّاً شديداً وقال لي: اجعلي مهده بقرب فراشي، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يلي أكثر تربيته وكان يطهر عليّاً في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه 2 في يقظته، ويحمله على صدره ورقبته، ويقول: هذا أخي ووصيّي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمله دائماً ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها وفجاجها، صلّى الله على الحامل والمحمول. قال ابن إسحاق: وحدّثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر أبي الحجّاج، قال: كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب، وما صنع الله له، وأراده من الخير، أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعبّاس عمّه، وكان من أيسر بني هاشم، يا عبّاس: إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ماترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه، فنخفّف عنه من عياله، آخذُ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنّا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما. قال ابن هشام: ويقال: عقيلاً وطالباً. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفراً فضمّه إليه، فلم يزل عليّ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيّاً، فاتبعه عليّ رضي الله عنه وآمن به وصدّقه، ولم يزل جعفر عند العبّاس حتى أسلم واستغنى عنه. وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ حرّاء فَأَرَاهُ، وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي. وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذ فِي الاِْسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا. أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ رَنَة الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: «هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ. إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَى مَا أَرَى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ، وَلكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْر ». وأمّا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فالله سبحانه أدّبه فأحسن أدبه لم يعبد وثناً ولم يشرب خمراً، عن أبي النعيم في «الدلائل » عن علي عليه السلام : قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : هل عبدت وثناً قط؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم :لا، قالوا: هل شربت خمراً قط؟ قال: لا. هذا كلّه يرجع إلى الرواية الأُولى التي نقلها السيوطي في «الدر المنثور »، وأمّا بقية الروايات فحدّث عنها ولا حرج، ففيها تناقضاً في المتن، ففي الرواية الأُوّلى أنّ المضيّف هو عبد الرحمن بن عوف، وعليّ هو الإمام، وفي الرواية الثانية أنّ الإمام هو عبد الرحمن، فلا يمكن الاعتماد على هذه الروايات، والله الحاكم. شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَ بَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَ الْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَ مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. المريض والمسافر والمطيق مثلاً: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فيكون مفاد قوله: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر بمنزلة قوله: فمن لم يشهد الشهر مصحّاً إمّا لكونه مريضاً أو مسافراً فلا يصمه بل يصوم عدّة من أيام أُخر. فكأنّه يقول: تصوم الطائفة الأُولى ولا تصوم الطائفتان الثانية والثالثة، وقد أُشير إلى هذا الاستدلال في رواية زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت له: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ؟ قال الإمام عليه السلام : «ما أبينها، من شهد الشهر فليصمه ومن سافر فلا يصمه ». تقدير «فأفطر » لتطبيق الآية على المذهب لا شكّ أنّ هذه الوجوه لم تكن خافية على مفسّري أهل السنّة ولذلك نراهم عند تفسير الآية تفسيراً حرفياً أتوا ببعض الجمل التي تدلّ على وجوب الصيام في الأيام الأُخر لا التخيير بين الصيام والإفطار، ومع ذلك ذهب جُلّهم إلى أنّ الإفطار رخصة، وما هذا إلاّ لأنّهم لمّا وقفوا على أنّ مذاهب أئمتهم في الفقه على الرخصة، جنحوا إلى تأويل هذه الفقرات، والعجب أنّ صاحب تفسير المنار وقف على مفاد الآية لكنّه تأوّلها وقال: اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة: لا يجزي الصوم في السفر عن الفرض، بل مَن صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر، لظاهر قوله تعالى: فعدّة من أيّام أُخر... قالوا: ظاهره فعليه عدّة أو فالواجب عدّة، وتأوّله الجمهور بأنّ التقدير: فأفطر فعدّة. وأمّا من لا يقدر على الصوم أصلاً فقد عفي عن الصوم والفدية. قد عرفت أنّ الآيات تدلّ بوضوح على أنّ الإفطار عزيمة وليس برخصة، وأنّ المذكورين في الآيات هم أصحاب عزائم لا أصحاب رخصة، ومن حسن الحظ أنّ الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام وما رواه أهل السنّة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يدلّ على العزيمة، أمّا القسم الأوّل فالمجال لا يسع لنقله فمن أراد التوسّع فليرجع إلى وسائل الشيعة. مضافاً إنّ مفسّري أهل السنّة يقولون هي عبارة عمّا يغنمه المسلمون من الكفّار بقتال، وعلى قولهم هذا تكون مسألة الخمس عبارة عمّا لا واقع له في حياتنا العملية في هذه الأيام، إذ لا دولة إسلامية تقاتل الكفّار والمشركين، وأصبحت الآية عندهم كالآيات التي ذكرت أحكام العبيد والإماء التي لا واقع لها في حياتنا العملية، وليس لديهم دليل على الاختصاص إلاّ كونها واردة في قتال المشركين، مع أنّهم أعرف بأنّ المورد لا يكون مخصّصاً إذا كان اللفظ مطلقاً. أطلق الكتاب المجيد الغنيمة على أجر الآخرة، وهذا يدلّ على أنّ للفظ معنى وسيعاً يشمل كلّ ما يفوز به الإنسان في الدنيا والآخرة، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ 5. فقد تبيّن ممّا ذكرناه من كلمات أئمة اللغة وموارد استعمال تلك اللفظة ومادّتها في الكتاب والسنّة، أنّ العرب تستعملها في كلّ مورد يفوز به الإنسان، من جهة العدى وغيرهم، وإنّما صار حقيقة متشرّعة في الأعصار المتأخّرة في خصوص ما يفوز به الإنسان في ساحة الحرب، ونزلت الآية في أوّل حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن الاستعمال إلاّ تطبيقاً للمعنى الكلّي على مورد خاصّ. قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له: إنّ بيننا وبينك المشركين، وإنّا لا نصل إليك إلاّ في شهر الحرام، فمُرنا بأمر فصل، إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو إليه مَن وراءنا، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم: بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلاّ الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وتعطوا الخمس من المغنم ». ؟ فقيل له: فما كان لله، فلمن هو؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للإمام... وله تأثير خاص في اندفاعهم للذبّ عن الإسلام وحمايته، ولذلك نرى أنّ الثورات الكثيرة كانت بقيادة الحسنيين والحسينيين، والله العالم. الأمر الثالث: إسقاط حق ذي القربى بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنّ الخلفاء بعد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم اجتهدوا في مقابل النص في موارد عديدة منها: إسقاط سهم ذي القربى من الخمس، وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى جعل لهم سهماً وافترض أداءه نصّاً في الذكر الحكيم والقرآن الكريم يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار، وهو قوله عزّ من قائل: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ وقد أرسلت فاطمة عليها السلام تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة عليها السلام على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفّيت، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلّى عليها، الحديث. إِلَى اللَّيْلِ 1 ، وقوله سبحانه: وَيَأْبى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 2 ، وقوله سبحانه: وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ 3 ، وقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي. وأمّا الحج: فهو أن ينشئ إحراماً آخر من مكة يوم التروية، ثمّ يمضي إلى عرفات فيقف بها إلى الغروب، ثمّ يفيض إلى المشعر الحرام فيقف به إلى طلوع الشمس، ثمّ يفيض إلى منى ويرمي جمرة العقبة، ثمّ يذبح هديه ثم يحلق رأسه، ثمّ يأتي مكّة ليومه أو من غده، فيطوف للحج ويصلي الركعتين، ثم يسعى سعي الحج، ثم يطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه، ثم يعود إلى منى ليرمي ما تخلف عليه من الجمار الثلاث يوم الحادي عشر والثاني عشر. إذا أُحصر بالعدو أو المرض لمّا أمر سبحانه حجّاج بيته، بإتمام الحج والعمرة، انتقل لبيان وظيفة المحصر الّذي يمنعه المرض أو العدو عن إتمام الحج والعمرة، فقال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ : أي ما تيسّر منه، والمراد من الهدي ـ كما مرّ ـ ما يهدى إلى بيت الله عزوجل تقرّباً إليه سبحانه، أعلاه بدنة وأوسطه بقرة وأيسره شاة. لا يتحلّل قبل الذبح إنّ المحصر لا يتحلّل من الإحرام حتّى ينحر أو يذبح، قال سبحانه: وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ غير أنّ المحصر بالعدو يذبح في نفس الموضع الّذي أُحصر فيه، ويحلق رأسه ويتحلّل ; لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم نحر هديه بالحديبية وأمر أصحابه ففعلوا مثل ذلك ورجعوا إلى المدينة، وليست الحديبية من الحرم. بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة، فيبقى متحلّلاً متمتّعاً إلى أن يحرم للحج، فعندئذ يأتي بأعمال الحج الّتي أشرنا إليها في تفسير المفردات، من الذهاب إلى عرفات ثم المشعر ثم إلى منى فيذبح بعد رمي الجمار. ثم يأتي ببقية أعمال الحج، لكن الآية تشير إلى فريضة واحدة من فرائض الحج وهو الهدي مع أنّه بعد الذهاب إلى عرفات، ثم إلى المشعر، ثم رمي الجمار، ثم الهدي، والحلق. وإنّما ذكر خصوص الهدي فقال : فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ لاختصاصه بحكم خاص، وهو ما يأتي في الأمر السادس. حكم الفاقد للهدي يبيّن سبحانه حكم من لم يجد الهدي فيقول: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ : أي أنّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى موطنه، على وجه يكون الجميع عشرة كاملة، وأمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي اليوم السابع والثامن والتاسع. التمتع بالعمرة إلى الحجّ وظيفة الآفاقي إنّه سبحانه أشار بأنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فريضة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، وقال: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قوله: ذَلِكَ إشارة إلى ما تقدّم ذكره من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، ليس لأهل مكة و من يجري مجراهم، وإنّما هو لمن لم يكن من حاضري مكة، وأمّا الحاضر فهو من يكون بينه و بينها دون 48 ميلاً، من كلّ جانب على الاختلاف. أمّا الأوّل: فقد عرفت أن المراد بالإتمام هو الإكمال في مقابل المُحصَر بالعدوّ حيث يقتصر بالعمل غير الكامل لوجود العدو كما كانت الحال كذلك في الحديبية مع مشركي مكّة، وهذا ـ أي كون المراد من الإتمام هو الإكمال ـ هو الّذي صرّح به لفيف من المفسّرين، قال الشيخ الطوسي: يجب أن يبلغ آخر أعمالها بعد الدخول فيها،... ثم عزاه إلى مجاهد والمبرّد وأبي علي الجبائي. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَ بَنَاتُكُمْ وَ أَخَوَاتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خَالاَتُكُمْ وَ بَنَاتُ الأَخِ وَ بَنَاتُ الأُخْتِ وَ أُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَ رَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًما حَكِيمًا. فلنأخذ بتفسيرها، فإنّها مركّبة من مقاطع أربعة: 1. وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ المراد من الموصول «مَا » هو النساء، وهو نائب فاعل لقوله: أُحِلَّ ، وقوله: ذلكم مركّب من «ذا » و «كم » فالأوّل إشارة إلى النساء المذكورات، ولعلّ تذكير «ذا » باعتبار الموصول أعني: «ماوراء »، والثاني خطاب للمؤمنين. والمعنى: أحلّ لكم أيّها المؤمنون وراء ما مرّ ذكره من النساء. فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً فالظاهر أنّ لفظة «ما » في مَا اسْتَمْتَعْتُمْ موصولة، والفعل بعدها صلتها، والضمير بعده عائد للصلة، ويحتمل أن تكون « ما » شرطية والفعل بعدها فعل الشرط، وعلى كلا التقديرين فقوله: فَآتُوهُنَّ إمّا خبر على القول بكون « ما » موصولة، أو جزاء على القول بأنّها شرطية، و فَرِيضَةً حال من أُجورهن، وإذا تبيّن ذلك فلنرجع إلى فهم الآية، فنقول: وبما أنّ حكم الزواج من الأَمة قد تعرّضت له الآية الثالثة ـ أعني قوله: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ـ خرج المورد الثاني وانحصر قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ... بالزواج من الحرّة بنكاح دائم أو مؤقّت. ويؤيّد ما ذكرنا: من أنّ المراد من قوله سبحانه: فَما اسْتَمْتَعْتُم بِهِ عقد الاستمتاع لا التلذّذ الجنسي، تعبير الصحابة عن نكاح المتعة بلفظ «الاستمتاع » ; فقد أخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله وأبي بكر حتى ـ ثمة ـ نهى عنه عمر. القرينة الثالثة: الجملتان المتقدّمتان على قوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ دور، بحيث لولاه لبطل، وليس هو إلاّ نكاح المتعة الذي عُرّف بقوله: أجل مسمّى وأُجرة مسمّاة، فالأُجرة في نكاح المتعة ركن وإلاّ لبطل، بخلاف النكاح الدائم إذ لا يجب ذكرها في العقد، يقول سبحانه: لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً 1 ، فقوله: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً : أي قبل أن تفرضوا لهنّ فريضة، وهذا يدلّ على جواز النكاح مع عدم فرض المهر. وأمّا الجملة الثانية أي: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فالله سبحانه يؤكّد قبل الأمر بعقد الاستمتاع على كون الزوجين محصنين غير مسافحين، بأن يكون اللقاء بنيّة التعفّف لا الزنا، وبما أنّ عقد المتعة ربّما ينحرف عن مجراه فيتّخذ لنفسه لون السفاح لا الزواج، أمر سبحانه بأن يكون الهدف هو الزواج لا السفاح. قال تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وهذا دليل على أنّ المراد به غير الزوج. ثمّ إنّ أبا زهرة من فقهاء السنّة المعاصرين ممّن وافق رأيه رأي الشيعة الإمامية وقال بأنّ شرط الإشهاد يرجع إلى الطلاق، وقد ذكر دليلاً خاصّاً نذكر نصّه: يقول: قال تعالى: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، قال: فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أن يكون راجعاً إلى إنشاء الطلاق; وذلك لأنّ تعليل الإشهاد 1 بأنّه يوعظ به مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، يقوّي ذلك الاحتمال، لأنّ حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى الله سبحانه... إلى أن قال: إنّه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين. وبذلك يظهر أنّه لا وجه لرجوعه إلى خصوص الرجعة كما عليه جمهور فقهاء السنّة، ولا إلى إليهما كما هو خيرة الشيخ أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي بمصر، حيث اختار أنّ القيد يرجع إلى كلا الأمرين وقال في رسالة له إلى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: إنّني ذهبت إلى اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق، وإنّه إذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقاً ولم يعتدّ به، وهذا القول وإن كان مخالفاً للمذاهب الأربعة المعروفة، إلاّ أنّه يؤيّده الدليل ويوافق مذهب ثالثاً: من المعلوم أنّ الطلاق أبغض الحلال إلى الله فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثّر قيوده وشروطه على القاعدة المعروفة من أنّ الشيء إذا كثرت قيوده، عزّ أو قلّ وجوده، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أوّلاً، وللتأخير والأناة ثانياً، وعسى إلى أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما، عندهما يحصل الندم ويعودان إلى الإلفة، كما أُشير إليه بقوله تعالى: لاَ تَدْري لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين، لا شكّ أنّها ملحوظة للشارع الحكيم، مضافاً إلى الفوائد الأُخر، وهذا كلّه بعكس قضية الرجوع فإنّ الشارع يريد التعجيل به، ولعلّ للتأخير آفات فلم يوجب في وتصحّ عندنا معشر الإمامية ـ بكلّ ما دلّ عليها من قول أو فعل أو إشارة ـ و لا يشترط فيها صيغة خاصّة كما يشترط في الطلاق، كلّ ذلك تسهيلاً لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده والرغبة الأكيدة في إلفتهم وعدم تفرّقهم، وكيف لا يكفي في الرجعة حتى الإشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع وهي ـ أي المطلّقة الرجعية ـ عندنا معشر الإمامية لاتزال زوجة إلى أن تخرج من العدّة، ولذا ترثه ويرثها، وتغسّله ويغسّلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أن يتزوّج بأُختها، وبالخامسة، إلى غير ذلك من أحكام الزوجية. ذهب المستشار الدمرداش بعد تلقّيه هذه الصدمة إلى فضيلة المرحوم الشيخ أبو زهرة وكان أُستاذاً له في كلية الحقوق وشكا إليه قواعد الطلاق في مذهب أبي حنيفة، فكان جواب الشيخ أبو زهرة: يا ولدي لو كان الأمر بيدي ما جاوزت في القضاء والفتيا مذهب الإمام الصادق عليه السلام ، ثم وجهه إلى أن يعود إلى أحكام الطلاق عند مذهب أهل البيت عليهم السلام. فكانت هذه أوّل محطة جادّة وضعته مع نفسه، ثم اتّفق له أن قرأ كتاباً مطبوعاً على نفقة وزارة الأوقاف المصرية في عهد وزيرها الشيخ أحمد حسن الباقوري عام 1955 م عن الفقه الإمامي الشيعي عنوانه «المختصر النافع في فقه الإمامية » للمحقّق الحلي، فأيقن بمقولة الشيخ الباقوري بأنّ الأهواء هي الّتي باعدتنا أهل السنّة عن فقه الإمامية رغم ما فيه من العلاج الأمثل لكثير من العلل الاجتماعية. يقول المستشار الدمرداش: «كانت قراءتي لهذا الكتاب متعاصرة مع قراءتي لفتوى أصدرها فضيلة الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الأزهر الأسبق ـ حيث أفتى: «إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، مذهب يجوز التعّبد به شرعاً » فلهذا من يومها بدأتْ رحلتي في التعّبد بمذهب الإمامية مؤملاً أن يزيدني الله اطّلاعاً واستبصاراً على كتب أُخرى ». قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْري لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. ولكن الطلاق في طهر المواقعة عند الحنفية والمالكية حرام، ومكروه عند غيرهما ولكنّه صحيح عندهم، ومع ذلك لا يحسب ذلك الطهر من الأطهار الثلاثة إذا فسّرت القروء في قوله سبحانه: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوء 2 ، بالأطهار، كما أنّ الحيضة الّتي بعدها لا تحسب من الحيضات الثلاث إذا فسّرت القروء بالحيضات، كما هو مذهب أهل السنة. قال أبو زهرة: إذا طلّق زوجته في الحيض والنفاس فلا تحسب تلك الحيضة من الأقراء الثلاثة عند القائلين بصحّة الطلاق، بل تحسب الحيضة الثانية بعد انقضاء الأُولى بالدخول في طهرها. وعلى هذا الأصل ذهب بعض الباحثين بأنّ الحكمة في المنع من الطلاق في الحيض هو أن ذلك يُطيل على المرأة العدّة، فإنّها إن كانت حائضاً لم تحتسب الحيضة من عدّتها، فتنتظر حتّى تطهر من حيضها وتتمّ مدّة طهرها، ثم تبدأ العدّة من الحيضة التالية. من المسائل التي أوجبت انغلاقاً وتعسفاً في الحياة الاجتماعية وأدّت إلى تمزيق الأُسر وتقطيع صلة الأرحام في كثير من البلاد، مسألة تصحيح الطلاق ثلاثاً، دفعة واحدة، بأن يقول: أنت طالق ثلاثاً، أو يكرّره ثلاث دفعات ويقول في مجلس واحد: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، حيث تحسب ثلاث تطليقات حقيقية، وتحرم المطلّقة على زوجها حتى تنكح زوجاً غيره. فربّما يتغلّب الغضب على الزوج فيطلق الزوجة ثلاثاً في مجلس واحد، ثم يندم على عمله ندماً شديداً، ويحاول إيجاد مخرج لمشكلته فلا يجد عند أئمّة المذاهب الأربعة ولا الدعاة إليها مخرجاً فيقعد ملوماً محسوراً، ولو رجع الرجل إلى فقه الإمامية المأخوذة من الكتاب والسنّة وأحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام لوجد مخرجاً وهو بطلان الطلاق الثلاث في مجلس واحد. قال سبحانه: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي مَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. قوله: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان بمعنى ترك المطلقة مرّتين حتّى تبين بانقضاء العدّة. لمّا لم يكن للعرب في الجاهليّة في الطلاق عدد معيّن فربّما طلّق الرجل امرأته مرّات عديدة وراجعها، وكانت المرأة بذلك أُلعوبة بيد الرجل يضارّها بالطلاق والرجوع متى شاء، فأنزل الله سبحانه: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ... وقد استدلّ بعض أئمّة أهل البيت عليهم السلام بهذه الآية على بطلان الطلاق الثلاث. روى صفوان الجمّال عن أبي عبد الله عليه السلام : أنّ رجلاً قال له: إنّي طلّقت امرأتي ثلاثاً في مجلس واحد؟ قال: «ليس بشيء، ثم قال: أما تقرأ كتاب الله يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ـ إلى قوله سبحانه: ـ لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ثم قال: كلّما خالف كتاب الله والسنّة فهو يرد إلى كتاب الله والسنّة ». عن الحسن: أنّ عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس أن أجعلها واحدة، ولكنّ أقواماً جعلوا على أنفسهم، فألزِمُ كلّ نفس ما ألزَمَ نفسه؟ من قال لامرأته: أنت عليَّ حرام، فهي حرام; ومن قال لامرأته: أنت بائنة، فهي بائنة; ومن قال: أنت طالق ثلاثاً، فهي ثلاث. وعلى كلّ تقدير فالفقهاء أجمعوا على أنّ الثلاثة يجب أن تكون من جنس واحد الأطهار الثلاثة أو الحيضات الثلاث ، ثم اختلفوا فذهب الشافعي إلى أنّها الأطهار، ويُروى ذلك عن ابن عمر وزيد وعائشة، ومالك وربيعة وأحمد في رواية، وقال عمر، وعلي، وابن مسعود: هي الحيض، وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى. بخلاف القول الثاني إذ عندئذ يجب عليها التربّص حتّى تحيض وتعتد، وهذا على خلاف سياق الآية، الظاهر في عدم الفاصل الزماني بين التطليق والاعتداد. روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إنّي سمعت ربيعة الرأي يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه، وإنّما القرء ما بين الحيضتين، وزعم أنّه أخذ ذلك برأيه، فقال أبو جعفر عليه السلام : «أخذه من علي عليه السلام قال: قلت له: وما قال فيها عليّ عليه السلام ؟ قال: «كان يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدّتها، ولا سبيل عليها، وإنّما القرء ما بين الحيضتين ». وروى زرارة، قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام : سمعت ربيعة الرأي يقول: من رأيي أنّ الإقراء الّتي سمّى الله عزّوجلّ في القرآن إنّما هو الطهر فيما بين الحيضتين، فقال: «إنّما بلغه عن علي عليه السلام » فقلت: أكان عليّ عليه السلام يقول ذلك؟ فقال: «نعم، إنّما القرء الطهر الّذي يقرؤ فيه الدم، فيجمعه، فإذا جاء المحيض دفعه ». الإضافة تدلّ على أنّ لأهل الكتاب دخلاً في التحريم وقد روي عن قتادة أنّه قال: ذُكر لنا أنّ رجالاً قالوا: كيف نتزوّج نساءهم وهم على دين ونحن على دين، فأنزل الله: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ. والّذي يُبعد كون الموضوع هو اللحوم، أنّ الآية في سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أُخريات حياته، أعني: السنة العاشرة، مع أنّ أحكام اللحوم قد سبق بيانها في سورتي البقرة والأنعام، قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغ وَلاَ عَاد فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. كما أنّه إذا ذبح كلّ ذي ظفر وبعبارة أُخرى: فليست الآية بصدد إلغاء عامّة الشرائط اللازمة في حليّة اللحوم من غير فرق بين كونها في المذبوح أو في الذابح على وجه يكون كلّ طعام أهل الكتاب وإن كان اللحم من المحرّمات أو فقد شرائط الذبح حلالاً، فإنّ هذا ممّا لا يتفوّه به أيُّ فقيه، فغاية ما يمكن أن يقال: إنّ حليّة طعام أهل الكتاب إذا كانت من اللحوم حلال إذا اجتمعت عامّة الشرائط، إلاّ إسلام الذابح. وبكلمة قصيرة: إنّ سياق الآية إلغاء شرط واحد، وهو كون الذابح مسلماً، لا عامّة الشروط كالتسمية والاستقبال، وكون المذبوح حيّاً قبل الذبح، وفري الأوداج الأربعة، وإلاّ فلو قلنا بعموم الآية وإطلاقها تلزم حلّيّة كلّ ما يستحلّه أهل الكتاب من الحشرات والسباع حتّى الخنزير، والتبعيض بين الشروط دون البعض على خلاف الإطلاق. وما خرجنا به من النتيجة هو المصرّح به في كلام السيد الطباطبائي، قال: وقد تبيّن من جميع ما تقدّم عدم دلالة الآية ولا أي دليل آخر على حلّيّة ذبائح أهل الكتاب إذا ذبحت بغير التذكية الإسلامية، فإن قلنا بحلّيّة ذبائحهم للآية ـ كما نقل عن بعض أصحابنا ـ فلنقيّدها بما إذا علم وقوع الذبح على تذكية شرعية كما يظهر من قول الصادق عليه السلام في خبر الكافي والتهذيب المتقدّم: «فإنّما هي الاسم ولا يؤمن عليها إلاّ مسلم » الحديث. لاحظ قوله سبحانه: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا آل عمران: 24 وقوله: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ آل عمران: 26 ، وفي آيتنا هذه تجد استعمال المحصنات بالمعاني الثلاثة. قال الشيخ الطوسي: المحصّلون من أصحابنا يقولون لا يحلّ نكاح مَن خالف الإسلام، لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم. وقال قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا: يجوز ذلك. وأجاز جميع الفقهاء التزويج بالكتابيات، وهو المروي عن عمر وعثمان وطلحة وحذيفة وجابر. وروي أنّ عمّاراً نكح نصرانية، ونكح طلحة نصرانية، ونكح حذيفة يهودية. وروي عن عمر كراهية ذلك، وإليه ذهب الشافعي. النهي عن نكاح الكوافر يلاحظ عليه:الظاهر أنّ المراد من الكوافر هنّ المشركات ; وذلك لأنّه لمّا نهى سبحانه عن إبقاء العلاقة بين المسلمة والكافر كان ثمّة رجال من قريش قد أسلموا فهاجروا إلى المدينة، بينما بقيت نساؤهم على الكفر في مكّة، فجاءت الآية لبيان تكليف هؤلاء الأزواج، فقال سبحانه: وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ : أي لا تمسكوا بنكاح الكافرات المشركات. وقال الخرقي في متن المغني: «ولا وصية لوارث إلاّ أن يجيز الورثة ذلك ». وقال ابن قدامة في شرحه: إنّ الإنسان إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يُجزها سائر الورثة، لم تصحّ، بغير خلاف بين العلماء. قال ابن المنذر وابن عبد البرّ : أجمع أهل العلم على هذا، وجاءت الأخبار عن رسول الله بذلك، فروى أبو أُمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه فلا وصية لوارث ». رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي. المراد من حضور الموت: ظهور أماراته من المرض والهرم وغيره، ولم يرد إذا عاين ملك الموت، لأنّ تلك الحالة تشغل الإنسان عن الوصيّة، وأيضاً يجب أن يراعى جانب المعروف في مقدار الوصية والموصى له، فمن يملك المال الكثير إذا أوصى بدرهم فلم يوص بالمعروف، كما أنّ الإيصاء للغني دون الفقير خارج عن المعروف، فإنّ المعروف هو العدل الذي لا ينكر، ولا حيف فيه ولا جور. يشترط في النسخ تقدّم المنسوخ على الناسخ أوّلاً، وكون النسبة بينهما هو الإثبات والنفي، وكلا الشرطين غير محرزين، أو غير موجودين أمّا الأوّل فإنّه لم يثبت تقدّم الإيصاء للوالدين على آية المواريث حتى يكون الثاني ناسخاً للأوّل، وأمّا الثاني فإنّ النسبة بين الآيتين نسبة الإثبات دون أن تكون إحداهما مثبتة والأُخرى نافية. مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الّثُمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْن وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن 1 ، فلا موضوع للنسخ ولا للتخصيص. وممّن اعترف بما ذكرنا الشيخ محمد عبده، كما حكى عنه تلميذه، قال: إنّه لا دليل على أنّ آية المواريث نزلت بعد آية الوصية هنا، وبأنّ السياق ينافي النسخ، فإنّ الله تعالى إذا شرّع للناس حكماً، وعلم أنّه مؤقّت، وأنّه ينسخه بعد زمن قريب، فإنّه لا يؤكّده ويوثقه بمثل ما أكّد به أمر الوصيّة هنا من كونه حقّاً على المتقين، ومن وعيد لمن بدّله. حيث روى في باب: «ما جاء لا وصية لوارث » هذين الحديثين: 2. حدّثنا قتيبة، حدّثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب على ناقته وأنا تحت جِرانها وهي تقصع بجرّتها، وإن لعابها يسيل بين كتفي، فسمعته يقول: «إنّ الله أعطى كلّ ذي حقّ حقّه، ولا وصية لوارث، والولد للفراش وللعاهر الحجر ». الكتاب العزيز، قطعيّ السند، وصريح الدلالة في المقام، وظاهر الآية كون الحكم أمراً بدوياً وأنّه مكتوب على المؤمنين، وهو حقّ على المتّقين، أفيصحّ نسخه أو تخصيصه برواية واحدة، لم تخلو أسانيدها من خلل ونقاش، فرواتها من مخلّط، إلى أروى الناس عن الكذّابين، إلى من لا يرى ما يخرج من رأسه، إلى ضعيف أُختتن في كبر سنّه، إلى بائع دينه بخريطة، إلى مسنِد ولم ير المسند إليه، إلى محدود أُجري عليه الحد في مكة، إلى خارجي يضرب به المثل، إلى... كيف يمكن الاعتماد على رواية تدّعي أنّ النبيّ الأكرم خطب في محتشد كبير لم ينقل لنا التاريخ له مثيلاً في حياة النبي إلاّ في وقعة الغدير، وقال: إنّه لا وصية لوارث، ولم يسمعه أحد من الصحابة إلاّ أعرابي مثل عمرو بن خارجة الذي ليس له رواية عن رسول الله سوى هذه 2 ، أو شخص آخر كأبي أُمامة الباهلي، وهذا ما يورث الاطمئنان على وجود الخلل فيها سنداً أو دلالة. أنّ التعارض فرع عدم وجود الجمع الدلالي بين نصّ الكتاب والحديث، إذ من المحتمل جدّاً أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذكر قيداً لكلامه، ولم يسمعه الراوي أو سمعه، وغفل عن نقله، أو نقله ولم يصل إلينا، وهو أنّه مثلاً قال: «ولا تجوز وصية للوارث » إذا زاد عن الثلث أو بأكثر منه. ومن حسن الحظ أنّ الدارقطني نقل الحديث بهذا القيد، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنى فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ قد قسّم لكلّ إنسان نصيبه من الميراث فلا يجوز لوارث وصية إلاّ من الثلث ». وأمّا الثالث ـ أعني: الملك ـ فإن أُريد به الإمامة ـ كما هو الظاهر ـ المتمثّلة في تدبير أمر الأُمّة دنيوياً وأُخروياً، فهو أيضاً مقام تنصيصي يفاض من الله سبحانه، قال تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 2 ، وأمّا الرابع ـ أعني: المال ـ فهو من أظهر مصاديق الوراثة، فكلّما أُطلقت الوراثة ينصرف إليه، ولو استعمل في غيره فإنّما هو نوع من التشبيه كما في قوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ التي أُورِثْتُمُوهَا 1 ، وعلى هذا فمقتضى إطلاق الآية أنّ سليمان ورث من داود المال، أو هو مضافاً إلى مقام الملك، ولا وجه لتخصيصه بالملك. ثمّ إنّ كثيراً من مفسّري مدرسة الخلفاء لمّا تلقّوا ما نُسب إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «لا نُورَث، ما تركنا صدقة » 2 ، حديثاً صحيحاً عمدوا إلى تأويل الآية، فيقول الراغب الإصفهاني، مثلاً، في تفسير قوله تعالى: وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ 3 فإنّه يعني: وِراثة النبوّة والعلم والفضيلة دون المال، فالمال لا قَدْر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه، بل قلّما يقتنون المال ويملكونه. لو صحّت الرواية، فالمراد هو أنّ شأن الأنبياء هو إيراث الإيمان والحكمة والعلم والسنّة لا المال، وهذا غير أنّه إذا ترك حصيراً أو إناء أو سجادة فهو ينتقل إلى الأُمّة لا إلى الأولاد، فإنّ موقف هذه الرواية هو تفكيك شأن الأنبياء عن سائر الملوك وطلاّب الدنيا فهم يتركون الأموال المكدّسة والكنوز الممتلئة، ويدلّ على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ولا أرضاً ولا عقاراً ولا داراً ولكنّا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنّة ». نقل ابن أبي الحديد عن كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري: أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله، وهما حينئذ يطلبان أرضه بفدك وسهمه بخيبر، فقال لهما أبو بكر: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا نورث، ما تركنا صدقة »، إنّما يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من هذا المال، وإنّي والله لا أُغيّر أمراً رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَصنعه إلاّ صنعته. قال: فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت. فلمّا ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كانت أوّل ظُلامة ردّها، دعا الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ـ وقيل: دعا علي بن الحسين عليهما السلام ـ فردّها إليه، وكانت بيد أولاد فاطمة عليها السلام مدّة ولاية عمر بن عبد العزيز، فلمّا ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم، وكان الأمر على هذا النحو إلى أيام العباسيّين. أمّا بعد; فإنّ أمير المؤمنين بمكانه من دين الله، وخلافة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والقرابة به أولى من استنّ سنّته، ونفّذ أمره وسلّم لمن منحه منحة وتصدّق عليه بصدقة، منحته وصدقته، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته، وإليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدك وتصدّق بها عليها، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقّه وعدله وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ أمره وصدقته، فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عمّاله، فلأن كان ينادى في كلّ موسم بعد أن قبض الله نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عِدته، أنّ فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدَّق قولها فيما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها، وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغَلاّت وغير ذلك وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إيّاهما القيام بها لأهلها، فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم واعلمه من قبلك، وعامل محمد بن يحيى ومحمد بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاّتها إن شاء الله والسلام. وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة عشر ومائتين، فلمّا استخلف المتوكّل على الله أمر بردّها إلى ما كانت عليه قبل المأمون. أفعلى عمد تركتم كتاب الله فنبذتموه وراء ظهوركم و... وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا؟ أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إنّ أهل ملَّتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكهما مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعمَ الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون ». والشرائع الإلهية لم تبطل هذا الحكم الفطري، ولا ذمّت هذا الدافع الغريزي، بل مدحته وكفى في ذلك قول إبراهيم الخليل عليه السلام : رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ 2 وقوله تعالى عن المؤمنين: هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن 3. وتوهُّم كون التقييد لأجل التأكيد، في غير مورده، إذ لا شكّ في النبيّ أنّه يكون مرضيّاً قطعاً. كلام للسيد الآلوسي في أنّ الوراثة، هي وراثة العلم يلاحظ عليه: بأنّ خوف زكريا من وراثة الأغيار لم يكن لأجل تعلّق نفسه بالمال حتى يقال إنّ الهمم العليا للنفوس القدسية انقطعت من تعلّقات هذا العالم، وإنّما خوفه أن تقع هذه الأموال التي تأتي يوماً بعد يوم، بيد أشرار الناس فتُصرف في غير محلّها، ولذلك ورد في سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه كان يصرف ما يقع تحت يده من الغنائم بأسرع وقت. وليس هذا النوع من الخوف دليلاً على التعلّق بالدنيا ومتاعها، بل دليلاً على ورعه وتقواه، وخشيته من أن تُصرف الأموال في غير جهتها الشرعية. يلاحظ عليه: بأنّ الإنسان المؤمن شديد الحسّاسيّة من أي شرّ أو ظلم أو فساد يظهر في الناس، ويستشعر المسؤولية بتطهير جوّ الحياة منه، فيعمل على استئصاله من جذوره، أو على تجفيف المنابع التي تمدّه بأسباب القوّة والبقاء والانتشار. وزكريا عليه السلام إذ خاف من وقوع الأموال، بعد رحيله عن الدنيا، بأيدي الأشرار، فرضَ عليه إيمانه وتقواه واشمئزازه من وبما أنّ ابن عاشور وقف على الحقّ وقوفاً نسبياً، فقد أنصف في المقام وقال: فقوله: يَرِثُني يعني به وراثة ماله. والظواهر تؤذن بأنّ الأنبياء كانوا يورَثون، قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ دَاوُدَ 2 ، وأمّا قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : «نحن معشر الأنبياء لا نورّث ما تركنا صدقة » فإنّما يريد به رسول الله نفسه، كما حمله عمر في ثمّ إنّ السيد الآلوسي استدلّ على ما تبنّاه برواية الشيخ الكليني، قال: روى الكليني في «الكافي » عن أبي البختري، عن أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه أنّه قال: «إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أنّ الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً وإنّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمَن أخذ بشيء منها فقد أخذ بحظّ وافر ». يلاحظ عليه: أنّ الحديث بصدد نفي التوارث لا الإرث من كلّ جانب، فلو قيل ما تضارب زيد وعمرو، كفى في صدقه عدم الضرب من جانب واحد، ولذلك يقال: لم يكن هناك تضارب، بل ضرب من جانب واحد، فالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بصدد نفي التوارث وهو لا ينافي الإرث من جانب واحد، وبذلك فسّر الإمام الصادق عليه السلام الحديث، فقد أخرج الكليني عن جميل وهشام عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال: «فيما روى الناس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: لا يتوارث أهل ملّتين، قال: نرثهم ولا يرثونا، إن الإسلام لم يزده في حقّه إلاّ شدّة ». وبما أنّ ما ذكره الراغب أساس لكلّ من جاء بعده، نأتي هنا بملخص ما ذكره، ثمّ ندخل في صلب الموضوع ، فنقول: السادس: ذكر السنن المنقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمّن شهد الوحي ممّن اتّفقوا عليه وما اختلفوا فيه ممّا هو بيان لمجمل أو تفسير لمبهم، المنبأ عنه بقوله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكر لِتُبَيِّنَ لِلنّاس ما نزل إِليهم 1 ، وبقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه 2 ، وذلك علم السنن. وما روي عنه حين سئل: هل عندك علم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع إلى غيرك؟ قال: لا، إلاّ كتاب اللّه و ما في صحيفتي 1 ، وفهم يؤتيه اللّه من يشاء وهذا هو التذكّر الذي رجّانا تعالى إدراكه بفعل الصالحات، حيث قال: إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسانِ وَإِيتاءِذي القُربى 2 إلى قوله: لعلّكُمْ تَذَكَّرُون ، وهو الهداية المزيدة للمهتدي في قوله: وَالَّذينَ اهتَدَوْا زادَهُمْ هُدى 3 ، وهو الطيب من القول المذكور في قوله: وَهُدُوا إِلى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَولِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الحَمِيد 4. ولكن الذي يؤخذ على الراغب الإصفهاني هو أنّ بعض ما عدّه من شروط التفسير يعدّ من كمال علم التفسير، كالعلم بأُصول الفقه وعلم الكلام، فإنّ تفسير الكتاب العزيز لا يتوقف على ذينك العلمين على ما فيها من المباحث التي لاتمتُّ إلى الكتاب بصلة. نعم معرفة الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد وكيفية العلاج، أو معرفة العموم والخصوص وكيفية التخصيص، والإجماع والاختلاف وأُسلوب الجمع بينهما، والمجمل والمبيّن، التي هي من مباحث علم الأُصول ممّا يتوقف عليه تفسير الكتاب، كما أنّ الآيات التي تتضمن المعارف الغيبية كالاستدلال على توحيد ذاته وفعله وعبادته لا تفسر إلاّ من خلال الوقوف على ما فيها من المباحث العقلية التي حقّقها علماء الكلام والعقائد، وهذا واضح لمن له أدنى إلمام بالقرآن. وما ربما يقال من أنّ السلف الصالح من الصحابة والتابعين كانوا مفسّرين للقرآن على الرغم من عدم اطّلاعهم على أغلب هذه المباحث، غير تام; فإنّ المعلّم الأوّل ـ بعد النبيّ ـ للتفسير و المصدر الأوّل للعلوم الإسلامية هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد روي عنه في علم الكلام ما جعله مرجعاً في ذينك العلمين حتّى فيما يرجع إلى أُصول الفقه من معرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص، قال عليه السلام : «وآخر رابع لم يكذب على اللّه، ولا على رسوله، مبغض للكذب خوفاً من اللّه، وتعظيماً لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على ما سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنَّب عنه، وعرف الخاص والعام، والمحكم والمتشابه، فوضع كلّ شيء موضعه ». فما ألطف كلامه في المقطعين الأوّلين دون المقطع الثالث فقد بخس فيه حقوق أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فإنّ السنّة النبوية ليست منحصرة بما رواها الصحابة والتابعون، فإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام عيبة علم النبي ووعاة سننه، فقد رووا عن آبائهم عن علي أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم روايات في تفسير القرآن الكريم، كيف وهم أحد الثقلين اللّذين تركهما رسول اللّه وقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي ». ثمّ إنّ الرجوع إلى أقوال الصحابة لا ينجع مالم ترفع أقوالهم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فمجرد أنّهم شاهدوا الوحي والتنزيل لا يثبت حجّية أقوالهم ما لم يسند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والقول بحجّية قول الصحابي بمجرّد نقله وإن لم يسند قوله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قول فارغ عن الدليل، فإنّه سبحانه لم يبعث إلاّ نبيّاً واحداً لا أنبياء حسب عدد الصحابة إلاّ أن يرجع قولهم إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. تبيين معناها إلى جذورها، وهذا أمر مهم زلّت فيه أقدام كثير من الباحثين، وهذا هو المستشرق «فوجل » مؤلف «نجوم الفرقان في أطراف القرآن » الذي جعله كالمعجم لألفاظ القرآن الكريم وطبع لأوّل مرة عام 1842م، فقد التبس عليه جذور الكلمات في موارد كثيرة، ذكر فهرسها محمد فؤاد عبدالباقي مؤلف «المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم » في أوّل معجمه. حيث زعم أنّ قوله: «وقرن » في قوله سبحانه مخاطباً لنساء النبيّ: وَقرن في بُيوتِكُنَّ 1 مأخوذ من قَرَن مع أنّه مأخوذ من «قرَّ » فأين القَرْن من القرّ والاستقرار؟! كما زعم أنّ المرضى في قوله سبحانه: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَ لاَ عَلَى الْمَرْضَى 2 مأخوذ من رضي مع أنّه مأخوذ من مرض، فأين الرضا من المرض؟! و قس على ذلك غيره. وقد قام ثلّة من الباحثين بتفسير مفردات القرآن، و في طليعتهم أبو القاسم حسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني المتوفّى عام 502هـ فألّف كتابه المعروف بـ «المفردات »و هو كتاب قيّم،وأعقبه في التأليف مجد الدين أبو السعادات مبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير 544 ـ 606 هـ فألّف كتابه «النهاية في غريب الحديث والأثر » وهو و إن كان يفسر غريب الحديث لكن ربما يستفيد منه المفسر في بعض المواد. نعم ما ألّفه المحقّق فخر الدين بن محمد بن علي الطريحي المتوفّى عام 1085هـ باسم «مجمع البحرين ومطلع النيرين » يعمّ غريب القرآن والحديث معاً، و هذا لا يعني عدم الحاجة إلى الرجوع إلى سائر المعاجم، كالصحاح للجوهري المتوفّى 393هـ ، ولسان العرب لابن منظور الافريقي المتوفّى عام 707هـ ، والقاموس للفيروز آبادي المتوفّى عام 834هـ. وفي المقام أمر مهمّ، وهو أن يهتمّ المفسِّر بأُصول المعاني التي يشتق منها معان أُخرى، فإنّ كلام العرب مشحون بالمجاز والكنايات، فربما يستعمل اللفظ لمناسبة خاصة في معنى قريب من المعنى الأوّل فيبدو للمبتدئ أنّ المعنى الثاني هو المعنى الأصلي للكلمة يفسر بها الآية مع أنّها معنى فرعيّ اشتق منه لمناسبة من المناسبات. قال سبحانه في قصة آدم: وَعَصى آدمُ رَبَّهُ فَغَوى 1 ، فإنّ كثيراً من المتعاطين لعلم التفسير يتخذون الكلمتين ذريعة لعدم عصمة آدم بذريعة انّ لفظة «عصى » عبارة عن المعصية المصطلحة، و «الغواية » ترادف الضلالة، لكن الرجوع إلى أُصول المعاني يعطي انطباعاً غير ذلك، فلا لفظة «عصى » ترادف العصيان المصطلح ولا الغواية ترادف الضلالة. هذا من جانب ، ومن جانب آخر أنّ القرآن تناول موضوعات مهمّة في سور متعدّدة لغايات مختلفة، فربما يذكر الموضوع على وجه الإجمال في موضع ويفسّره في موضع آخر، فما أجمله في مكان فقد فصّله في موضع آخر، وما اختصر في مكان فإنّه قد بسط في آخر، و بذلك يمكن رفع إجمال الآية الأُولى بالآية الثانية، كيف وقد وصفه سبحانه بقوله: اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتشابهاً مَثَانِيَ 3 ، فإنّ المراد من المتشابه هو تشابه معاني الآيات بعضها مع بعض وتسانخها وتكرر مضامينها بقرينة قوله «مثاني »، و بذلك يظهر أنّ رفع إجمال الآية بنظيرتها شيء دعا إليه القرآن الكريم لكن بعد الإمعان والدقة فيه. ولنضرب لذلك مثالاً: يقول سبحانه في حقّ اليهود: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَل مِنَ الْغَمامِ وَالمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُور 4 فظاهر الآية أنّهم كانوا ينتظرون مجيء اللّه تبارك وتعالى في ظلل من الغمام ولكن الآية الأُخرى ترفع الإبهام وانّ المراد مجيء أمره سبحانه يقول: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون. الحفاظ على سياق الآيات والمسكين فسّر القرآن بالرأي وبرأي مسبق، حيث فَصَلَ هذه الآية عمّا تقدّمها من الآيات التي تحكي خطاب اللّه سبحانه في بدء الخليقة وأنّه سبحانه في تلك الفترة خاطب بني آدم بهذه الآية، فلو كان النبي يتلو هذه الآية، فإنّما يحكي خطاب اللّه سبحانه في ذلك الأوان لا في عصر رسالته وحياته، ويكفي في ذلك مراجعة المجموعة التي هذه الآية جزء منها في سورة الأعراف من الآية 19 إلى الآية 36، فالجميع بسياق واحد ونظم فارد يحكي خطاب اللّه في بدء الخليقة لا خطابه سبحانه في عهد الرسول، وهذا ما دعانا إلى التركيز بأنّ حفظ السياق أصل من أُصول التفسير. وما ذكرنا من لزوم الحفاظ على سياق الآيات لا يعني أنّ القرآن الكريم كتاب بشري يأخذ بالبحث في الموضوع فإذا فرغ عنه يبتدئ بموضوع آخر دائماً، وإنّما المراد أنّ الحفاظ على سياق الآيات إذا كان رافعاً للإبهام وكاشفاً عن المراد لا محيص للمفسِّر من الرجوع إليه، ومع ذلك فإنّ القرآن الكريم ليس كتاباً بشرياً ربما يطرح في ثنايا موضوع واحد موضوعاً آخر له صلة بالموضوع الأصلي ثمّ يرجع إلى الموضوع الأوّل، وإليك شاهدين: ومطهّرة من الدنس، ولهنّ معهم لحمة القرابة ووصلة الحسب، واللازم عليهنّ الحفاظ على شؤون هذه القرابة بالابتعاد عن المعاصي والمساوئ، والتحلّي بما يرضيه سبحانه، ولأجل ذلك يقول سبحانه : يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ، وما هذا إلاّ لقرابتهنّ منه صلى الله عليه وآله وسلم وصلتهنّ بأهل بيته. وهي لا تنفك عن المسؤولية الخاصة، فالانتساب للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ولبيته الرفيع، سبب المسؤولية ومنشؤها، وفي ضوء هذين الوجهين صحّ أن يطرح طهارة أهل البيت في أثناء المحاورة مع نساء النبي والكلام حول شؤونهن. ولقد قام محقّقو الإمامية ببيان مناسبة العدول في الآية ، نأتي ببعض تحقيقاتهم، قال السيد القاضي التستري: لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات من الأزواج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام على معنى أنّ تأديب الأزواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد، من توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت عليهم السلام. ومن المعلوم أنّ هذا المقدار لا يفي بتفسير القرآن الكريم ولا يمكن لنا التقوّل بأنّه صلى الله عليه وآله وسلم تقاعس عن مهمته، وليس الحل إلاّ أن نقول بأنّه صلى الله عليه وآله وسلم أودع علم الكتاب في أحد الثقلين الذين طهرهم اللّه من الرجس تطهيراً، فقاموا بتفسير القرآن بالمأثور عن النبي المودَع في مجاميع كثيرة يقف عليها المتتبع في أحاديث الشيعة. ولعلّه إليهم يشير قوله سبحانه: ثُمَّ أَورَثْنا الكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا 4 فالمصطفون من عباده هم الوارثون علم الكتاب. ولنذكر نموذجاً من تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمّا نزل قوله سبحانه: وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتّى يَتَبيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسودِ منَ الفَجْر 1 قال عدي بن حاتم: إنّي وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود، فكنت أنظر فيهما، فلا يتبيّن لي، فضحك رسول اللّه حتى رؤيت نواجذه، ثمّ قال: «ذلك بياض النهار، وسواد الليل ». معرفة أسباب النزول إنّ لمعرفة أسباب النزول دوراً هاماً في رفع الإبهام عن الآيات التي وردت في شأن خاص; لأنّ القرآن الكريم نزل نجوماً عبر ثلاثة وعشرين عاماً إجابة لسؤال، أو تنديداً لحادثة، أو تمجيداً لعمل جماعة، إلى غير ذلك من الأسباب التي دعت إلى نزول الآيات; فالوقوف على تلك الأسباب لها دور في فهم الآية بحدها ورفع الإبهام عنها، فلنأت بأمثلة ثلاثة يكون لسبب النزول فيها دور فعال بالنسبة إلى رفع إبهام الآية. وأمّا الرجوع في التفسير وأسباب النزول إلى أمثال عكرمة ومجاهد وعطاء وضحاك كما ملئت كتب التفسير بأقوالهم المرسلة، فهو ممّا لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه فيما بينه وبين اللّه ولا تقوم به الحجّة، لأنّ تلك الأقوال إن كانت روايات فهي مراسيل مقطوعة، ولا يكون حجّة من المسانيد إلاّ ما ابتنى على قواعد العلم الديني الرصينة، ولو لم يكن من الصوارف عنهم إلاّ ما ذكر في كتب الرجال لأهل السنّة لكفى. والوثنية، ونقد العادات والتقاليد الجاهلية، والدعوة إلى الإيمان بالمعاد، والتنديد بالكافرين والمشركين; في حين أنّ الطابَع السائد على أكثر الآيات المدنية هو تشريع الأحكام في مختلف المجالات، والجدال مع أهل الكتاب في إخفاء الحقائق، والتنديد بالمنافقين الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، إلى غير ذلك من العلائم والملامح التي يمكن أن يتميّز بها المكي عن المدني. سورة البقرة، ثمّ الأنفال، ثمّ آل عمران، ثمّ الأحزاب، ثمّ الممتحنة، ثمّ النساء، ثمّ إذا زلزلت، ثمّ الحديد، ثمّ القتال، ثمّ الرعد، ثمّ الإنسان، ثمّ الطلاق، ثمّ لم يكن، ثمّ الحشر، ثمّ إذا جاء نصر اللّه، ثمّ النور، ثمّ الحج، ثمّ المنافقون، ثمّ المجادلة، ثمّ الحجرات، ثمّ التحريم، ثمّ الجمعة، ثمّ التغابن، ثمّ الصف، ثمّ الفتح، ثمّ المائدة، ثمّ براءة. الوقوف على الآراء المطروحة حول الآية إنّ الآراء الموروثة من الصحابة والتابعين ثمّ علماء التفسير إلى يومنا هذا ثروة علمية ورثناها من الأقدمين، وهم قد بذلوا في تفسير الذكر الحكيم جهوداً كبيرة، فألّفوا مختصرات ومفصّلات وموسوعات حول القرآن الكريم، فالإحاطة بآرائهم والإمعان فيها وترجيح بعضها على بعض بالدليل والبرهان من أُصول التفسير شريطة أن يبحث فيها بحثاً موضوعياً بعيداً عن كلّ رأي مسبق. الاجتناب عن التفسير بالرأي 2 وقد راج التفسير بالرأي بطابَع علمي في العصور المتأخّرة بعد الثورة الصناعية التي اجتاحت الغرب، فإنّ الفروض العلمية التي طرحت من قبل علماء الطبيعة والفلك هي فروض غير مستقرة لا يمكن الركون إليها في تفسير الذكر الحكيم، ولذلك سرعان ماتتبدّل النظريات العلمية إلى أُخرى; فمن حاول أن يخضع القرآن الكريم للاكتشافات العلمية الحديثة، فقد فسّر القرآن برأيه، وإن صدق في نيته وأراد إبراز جانب من جوانب الإعجاز القرآني، ولنذكر نموذجاً: وهنا شيء آخر يحتاج إليه المفسّر، وهو أهم وأعظم من كلّ ما ذكره المفسّرون في مقدمة تفاسيرهم، لأنّه الأساس والركيزة الأُولى لتفهّم كلامه جلّ وعلا. ولم أر من أشار إليه، وقد اكتشفته بعد أن مضيت قليلاً في التفسير، وهو أنّ معاني القرآن لا يدركها، ولن يدركها على حقيقتها، ويعرف عظمتها إلاّ من يحسّها من أعماقه، وينسجم معها بقلبه وعقله، ويختلط إيمانه بها بدمه ولحمه، وهنا يكمن السر في قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «ذاك القرآن الصامت، وأنا القرآن الناطق ».



حكم الفاقد للهدي يبيّن سبحانه حكم من لم يجد الهدي فيقول: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ : أي أنّه يصوم بدل الهدي ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى موطنه، على وجه يكون الجميع عشرة كاملة، وأمّا أيّام الصوم فقد ذكرت في الكتب الفقهية، وهي اليوم السابع والثامن والتاسع. وكذا يقال في صلة الأقارب واليتامى, والمساكين. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به, أو أخبر به رسوله, سواء شاهده, أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله, أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. ويدخل في ذلك أخذها, بسبب غش في البيع, والشراء, والإجارة, ونحوها. وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء, وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية, والإيمان به, الموجب للاستجابة. ففيه النهي عن الجائز, إذا كان وسيلة إلى محرم. هذا يقوله بعضهم لبعض. وروي أنّ عمّاراً نكح نصرانية، ونكح طلحة نصرانية، ونكح حذيفة يهودية. نعم وجدنا ما يشتمل على موضع الاستشهاد. وأن الالتفات بالبدن, مبطل للصلاة, لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده. وكذلك أخذهم أجرة على عمل, لم يقوموا بواجبه. موقع تواصل زواج مسيار ملتقى القلوب Softvkeditor ru скачать هل زواج المسيار حلال ام حرام اسلام ويب

Views: 9

Comment

You need to be a member of Divas Unlimited Inc to add comments!

Join Divas Unlimited Inc

© 2024   Created by Diva's Unlimited Inc..   Powered by

Report an Issue  |  Terms of Service